لطالما حلم الناس بالحصول على سرعات عالية جدا للدخول على الانترنت متى وأينما أرادوا، ولطالما انتظر البعض الحصول على خدمة خطوط المشتركين الرقمية (DSL)، بل وما أكثر الذين حرموا منها نتيجة لظروف فرضتها طبيعة هذه التقنية، فنقول لهؤلاء وأولئك ترقبوا ماردا سيخرج من قمقمه اسمه الواي ماكس (WiMax)، وهنيئا لتلك الشركة التي ستبادر أولا بفرك فانوس الخدمات اللاسلكية السريعة، ليخرج لها مارد يجعلها تلتهم سوق خدمات الانترنت السريعة، بل وسيجعلها تنافس شركات الهاتف المحمول في زمن الجيل الرابع (4) مستقبلا.
يراهن العلماء على أن الجيل الرابع من الاتصالات المحمولة قد لا يكون امتدادا طبيعيا للجيل الثالث المستخدم حاليا، وإنما سيكون من ذرية الواي الماكس، والتي كان أول ظهور لاستخداماتها في ربط مواقع الشركات مع بعضها، ثم استخدمت للوصول إلى الانترنت بسرعات عالية جدا، ثم ستكون بعد ذلك لتقديم خدمات الصوت والانترنت عالي السرعة من خلال هواتف وكمبيوترات محمولة من أي مكان، وهو أمر احتماله كبير.
الأمر الرائع أن السرعات التي يمكنك أن تتصفح الانترنت عبر الواي ماكس تصل إلى خمسة وأربعين مليون نبضة في الثانية (bps45) أي خمسة وأربعين ضعفا لأعلى سرعة (DSL) متوفرة حاليا في السوق السعودي، بينما تقل سرعة الواي ماكس تدريجيا كلما بعدت عن البرج حتى تصل إلى (bps30) على مشارف الخلية، وأيا كان موقعك فكن على حذر وأنت تقوم بتنزيل أي ملف من الانترنت، فانه سيأتيك بسرعة قد لا يستوعبها كمبيوترك لدرجة أخشى أن تتناثر أجزاء الملف على الأرض!.
إن مما يميز تقنية الواي ماكس أن نشرها وتركيبها في مدينة ما، يتم بصورة سريعة من خلال نشر محطات بث لهذه التقنية، إذ تحتوي محطة الواي ماكس على برج معلق به هوائيات، وحاوية بها أنظمة اتصالات. وقبل تركيبها يتم تقسيم المدينة إلى خلايا سداسية، تماما مثل خلايا شبكة الهاتف المحمول، إذ تنصب الأبراج في وسط كل خلية لتقوم الهوائيات ببث الخدمة لاسلكيا إلى منازل المشتركين، مما يتطلب من كل مشترك أن يركب جهاز استقبال شبيها بجهاز استقبال هاتف الإسقاط (WLL)، أما إذا كان المشترك قريبا جدا من المحطة فان أجهزة الكمبيوترات الجديدة ستدعم الاستقبال التلقائي لهذه الخدمة دون الحاجة لتركيب هوائي في أعلى المنزل. تعتمد عدد الهوائيات في كل محطة واي ماكس على كثافة السكان في كل خلية، كما تعتمد المسافة بين كل برج وآخر على نفس السبب، فقد تصل المسافة بين كل برج وآخر إلى عشرة كيلومترات في المناطق الريفية، والى أربعة كيلومترات في الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية داخل المدينة. إن مما يميز هذه الخدمة أن تركيبها سهل للغاية، بل وتحتاج إلى زمن وتكلفة أقل بكثير من تلك التقنيات التي تتطلب تمديدات أرضية، فمدينة كالرياض مثلا وبحسبة هندسية بسيطة فإنها تحتاج إلى ما يقارب المائة محطة لتغطيتها، وخلال اثني عشر شهرا تقريبا يتم تغطيتها بالكامل، وبلغة أخرى، ذات بعد استراتيجي، لو أن شركة ما استخدمت أبراج وحاويات شبكة الهاتف المحمول، المجهزة مسبقا فنيا وميدانيا، وتقوم هذه الشركة بتركيب هوائيات وأنظمة الواي ماكس جنبا إلى جنب معها فان تلك المدة ستقل كثير.
فما بال أقوام، قد رخصت لهم هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، تقديم خدمة الواي ماكس منذ أكثر من أربعة وعشرين شهرا، ثم تجدهم لم يقدموا مثل هذه الخدمة بقوة حتى هذه اللحظة، فليتهم استفادوا من دعم الهيئة واستأجروا حيزا من محطات الهاتف المحمول المنتشرة في كل مكان، وليتهم إذ لم يجدوا أليافا بصرية لربط هذه المحطات معا اخذوا حيزا من الهواء وربطوها لاسلكيا بتقنية (RF) إلى حين، وأعجب منهم من يملك كل ذلك ثم لا تجده قد فرك الفانوس السحري بيديه.
بقلم: م. يوسف الحضيف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق